25 يونيو 2024
يوم الاثنين، خرج جوليان أسانج من سجن بلمارش بالمملكة المتحدة رجلاً حر، بعد خمس سنوات من السجن وما يقرب من 15 عاماً من الاضطهاد على يد عصابة من الحكومات الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة التي طاردته بسبب فضح جرائمها. ووقعت محكمة أميركية في جزر ماريانا الشمالية، بعد ظهر اليوم، على صفقة إقرار بالذنب، منهية بذلك المحاولة الأميركية لتسليم أسانج العائد إلى أستراليا.
سوف تنظر الأجيال القادمة إلى أسانج إلى الأبد كمناضل من أجل حرية التعبير والحقوق الديمقراطية. وسيُنظر إلى اضطهاده على أنه أحد أفظع عمليات مطاردة الساحرات في التاريخ الحديث.
يرسل موقع الاشتراكية العالمية أحر تحياته وتهنئته لجوليان أسانج على إطلاق سراحه. كما نهنئ جميع الذين لعبوا دوراً بارزاً في مكافحة اضطهاد أسانج. ومن بين هؤلاء زوجته ستيلا أسانج، ووالده جون شيبتون، وشقيقه غابرييل شيبتون.
ومن بين أبرز المدافعين العامين عن أسانج الموسيقي روجر ووترز والناشط في مجال حقوق الإنسان كريج موراي. ونلاحظ بحزن أن الصحفي الشجاع جون بيلجر، الذي ناضل بلا كلل من أجل إطلاق سراح أسانج، لم يعش ليرى هذا اليوم، ولا مسرب الأخبار الشهير دانييل إلسبيرج.
يُعد قرار إدارة بايدن الإفراج عن أسانج بمنزلة تراجع سياسي كبير واعتراف فعلي من قبل الحكومة الأمريكية بأن القضية المرفوعة ضده كانت عملية احتيال منذ البداية. اتخذ البيت الأبيض قراراً محسوباً مفاده إن المحاكمة السياسية الملفقة لصحفي شجاع في الولايات المتحدة ستكشف التزوير المتمثل في أن الإمبريالية الأمريكية شنت حرباً حول العالم باسم 'الديمقراطية'.
لقد كان اضطهاد أسانج عبارة عن حملة كريهة من الأكاذيب والتشهير. سعت أربع إدارات رئاسية متتالية، بما في ذلك بوش وأوباما وترامب وبايدن، إلى إسكات هذا الصحفي الشجاع.
أسس جوليان أسانج موقع ويكيليكس في عام 2006، في أعقاب الغزو الأمريكي غير القانوني للعراق وأفغانستان في 'الحرب على الإرهاب'. كان ويكيليكس بمنزلة مبادرة جريئة وفعّالة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات للقيام بما يفترض أن يقوم به الصحفيون الجادون أي فضح الأعمال غير القانونية التي تريد الحكومة إخفاءها.
في عام 2010، نشر جوليان أسانج وويكيليكس سلسلة من الوثائق التي كشفت جرائم الحرب المتفشية التي ارتكبها الجيش الأمريكي. كانت سجلات حرب العراق ومذكرات الحرب الأفغانية أكثر عمليات الكشف شمولاً عن الإجرام الإمبريالي منذ أوراق البنتاغون في العقد الثامن من القرن الماضي .
وفصلت سجلات حرب العراق مقتل 66.081 مدنياً على يد القوات الأمريكية كجزء من غزو واحتلال العراق. ونشر موقع ويكيليكس أيضاً مقطع فيديو للقتل الجانبي، الذي أظهر مذبحة راح ضحيتها أكثر من عشرة مدنيين عزل، من بينهم صحفيان من رويترز، في العراق على يد القوات الأمريكية.
وفي نوفمبر 2010، بدأ ويكيليكس بنشر مقتطفات من مئات الآلاف من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية. و كشف ذلك عن عدم شرعية السياسات الإمبريالية اليومية، بما في ذلك التخطيط للانقلابات، وزراعة السياسيين الأجانب كأصول سرية للولايات المتحدة، وغيرها من الهجمات على الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.
رداً على ذلك، حرضت وكالات الاستخبارات الأمريكية على حملة لتدمير جوليان أسانج كجزء من جهد منهجي لتطهير وسائل الإعلام المستقلة وتنظيم التكامل التام لوسائل الإعلام مع وكالة الأمن القومي الأمريكي.
استُهدف أسانج في إطار عملية أدارتها الدولة. إن الوسائل التي تم من خلالها البدء بذلك لها أهمية خاصة. ومن أجل خلق جمهور لاضطهاد أسانج، شرعوا في تشويه سمعته بالكامل. وقد استخدمت الدولة بشكل محسوب السياسات المتعلقة بالجنسين التي انتهجها اليسار الزائف من الطبقة المتوسطة العليا الغنية، التي أصرت على تصديق ادعاءات الاعتداء الجنسي حتى عندما تكون ملفقة بشكل واضح برعاية الدولة.
و بذلت صحيفة الغارديان في بريطانيا، التي كانت بمثابة منفذ لطبقات الطبقة المتوسطة المهتمة بسياسات الهوية، كل ما في وسعها لإضفاء الشرعية على هذه الادعاءات.
ففي ديسمبر 2010، فتح المدعون العامون في السويد قضية ضد أسانج على أساس مزاعم ملفقة عن سوء السلوك الجنسي، التي أُسقطت كلها لاحقاً. أجبرت الجهود التي بذلتها السلطات السويدية لتسليم أسانج، بحيث يمكن تسليمه إلى الولايات المتحدة على اللجوء إلى سفارة الإكوادور في لندن في عام 2012.
وطالبت المنظمة الاشتراكية الدولية في عام 2012 الجمهور 'بأخذ مزاعم الاغتصاب ضد أسانج على محمل الجد'. وأصر حزب البديل الاشتراكي على إنه 'يجب التحقيق في مزاعم الاغتصاب الخطيرة' ضد أسانج.
جرت مطاردة الساحرات ضد جوليان أسانج بالتزامن مع الحملة الانتقامية لاعتقال ومحاكمة إدوارد سنودن، الذي أفلت من مصير أسانج فقط بالفرار إلى روسيا، وتشيلسي مانينج، التي سجنتها إدارة أوباما لمدة سبع سنوات.
في عام 2016، نشر ويكيليكس رسائل البريد الإلكتروني لبوديستا، التي وثقت الجهود المنهجية التي بذلها الحزب الديمقراطي لتزوير الانتخابات التمهيدية لعام 2016 على حساب بيرني ساندرز لصالح هيلاري كلينتون. رداً على هذه التسريبات، استقالت ديبي واسرمان شولتز، رئيسة اللجنة الوطنية الديمقراطية، بشكل مخز.
لكن الحزب الديمقراطي شن هجوماً مضاداً، واتهم كذبا ويكيليكس 'بالتواطؤ' مع الحكومة الروسية للتأثير على الانتخابات الرئاسية في عام 2016. بعد خسارة هيلاري كلينتون أمام دونالد ترامب في عام 2016، أصبحت المؤسسة الديمقراطية ووسائل الإعلام الأمريكية، إن أمكن، أكثر عداءً لأسانج.
خلقت الحملة المنهجية التي استمرت لسنوات لتسميم الرأي العام ضد أسانج من قبل وسائل الإعلام الأمريكية واليسار الزائف الظروف لإدارة ترامب لاتهام أسانج رسمياً بالتجسس في عام 2018. وفي أبريل 2019، اقتحمت الشرطة البريطانية سفارة الإكوادور وسحبت أسانج. خرج إلى سجن بلمارش حيث سُجن لمدة خمس سنوات.
و أيدت صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال بحماس اعتقال أسانج وتسليمه إلى الولايات المتحدة. وكانت صحيفة واشنطن بوست التابعة لجيف بيزوس هي الأكثر صراحة، إذ أعلنت أنه طال انتظار أسانج للمساءلة الشخصية'.
وأشادت صحيفة نيويورك تايمز باعتقاله، قائلة: 'لقد بدأت الإدارة بشكل جيد باتهام السيد أسانج بجريمة لا جدال فيها'. قادت صحيفة The Guardian المجموعة في الافتراءات الانتقامية، زاعمة كذباً وبشكل سخيف إن أسانج عقد اجتماعات مع مساعد حملة ترامب بول مانافورت.
شاركت كل الصحف البورجوازية الكبرى في تشويه سمعة أسانج، وجاءت أوامر طباعة المقالات بناءً على أمر من الحكومة. ولم تكن الإدانة بشعة للغاية.
كان جيريمي كوربين، الذي تظاهر بأنه مؤيد ومدافع عن أسانج، صامتاً تماماً تقريباً بشأن حبس أسانج في سجن بلمارش خلال فترة رئاسته لحزب العمال من عام 2015 إلى عام 2020.
وعلى النقيض من المنظمات اليسارية الزائفة التي انضمت إلى حملة مطاردة الساحرات أو لم تقل شيئاً، أطلقت الحركة التروتسكية من خلال موقع الاشتراكية العالمية على شبكة الإنترنت (WSWS) واللجنة الدولية للأممية الرابعة (ICFI)، حملة لحشد الدعم داخل صفوف الحركة التروتسكية و الطبقة العاملة على المستوى الدولي. و باعتبارنا حركة تعرضت لاضطهاد هائل، وقفنا على الفور متضامنين مع أسانج. ونحن فخورون للغاية بمساهمتنا في الدفاع عنه.
في مئات المقالات، كشف موقع WSWS عن مطاردة اليمينيين لأسانج. تمت قراءة مقالاتنا حول اضطهاد أسانج مئات الآلاف من المرات. نظمت WSWS واللجنة الدولية للأممية الرابعة مسيرات حول العالم، شارك فيها مئات المشاركين وكبارالصحفيين، مثل بيلجر، كمتحدثين. في عام 2018، عقدنا ندوة عبر الإنترنت بعنوان 'تنظيم المقاومة للرقابة على الإنترنت'، التي أرسل لها أسانج تحياته قبل وقت قصير من قطع اتصاله بالإنترنت في السفارة الإكوادورية. (يمكن الوصول إلى مجموعة مختارة من هذه المقالات هنا.)
على الرغم من أن أسانج حر، إلا أن الهجوم الرأسمالي العالمي ضد الحقوق الديمقراطية يتسارع. فمقابل كل تراجع تكتيكي للإمبريالية، هناك هجوم مضاد أكثر فظاظة. ولا ينبغي أن يكون هناك أي وهم بأن قرار إدارة بايدن بالإفراج عن أسانج كان مدفوعاً بالمبادئ الديمقراطية أو أن الخطر على الحقوق الديمقراطية قد انتهى. والحقيقة هي أنه طالما توفرت هذه الظروف، فإن أسانج لن يكون في مأمن من الخطر أبداً.
في الواقع، أرست إدارة بايدن سابقة جديدة خطيرة للهجوم على حرية الصحافة.من خلال تعذيب صحفي فعلياً لحمله على الاعتراف بانتهاكات قانون التجسس من خلال نشر معلومات حقيقية لتحقيق المصلحة العامة،
إن الظروف الأساسية الكامنة وراء اضطهاد أسانج، أي الحرب العالمية والمستويات المتطرفة من عدم المساواة الاجتماعية، لا تستمر فحسب، بل تتزايد حدتها. ودعمت الولايات المتحدة وقوى حلف شمال الأطلسي الإبادة الجماعية في غزة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 47 ألف فلسطيني. إن الخطط جارية على قدم وساق لتصعيد هائل للحرب بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك النشر المباشر لقوات الناتو.
وفي أوكرانيا، سُجن بوغدان سيروتيوك، المناضل الشجاع من أجل الاشتراكية ومعارض الحرب، لمعارضته نظام زيلينسكي. وشنت إدارة بايدن حملة لتجريم معارضة الإبادة الجماعية في غزة، ونفذت آلاف الاعتقالات العنيفة طالت متظاهرين سلميين.
خلال حملتها لتحرير أسانج، أوضح WSWS أن النضال من أجل الحقوق الديمقراطية يجب أن يكون متجذراً في الطبقة العاملة وأن يرتبط بالنضال من أجل الاشتراكية وضد الحرب الإمبريالية. هذا الدرس المركزي يزداد أهمية وسط حرب إمبريالية عالمية متصاعدة فالنضال من أجل الدفاع عن الحقوق الديمقراطية لا ينفصل عن النضال ضد النظام الرأسمالي.